نجدد الترحاب مرة أخرى بكل متابعي مدونة عذب الكلام للأقوال والحكم والخواطر والإبداعات.
موضوعنا لهذا اليوم سمقدم لكم من خلاله مساهمة جديدة من مساهمات الكاتبة سميرة بسراف والتي تحمل عنوان صوت الذاكرة.


صوت الذاكرة للكاتبة سميرة بسراف
صوت الذاكرة للكاتبة سميرة بسراف

صوت الذاكرة 

وجلست أنظر إلى شجرة العنب وهي متجردة وسط منزل كبير منتشرة مثل مظلة الظلال لتهدئ من حرارة الشمس، نسيم الجو يشهد على بداية صباح جديد.
قلت مع نفسي لنذهب في نزهة تأملية أو في رحلة تفكرية عبر الزمن القديم، فإذا بصوت الذاكرة اليوم يحن لتلك الذكريات الجميلة التي مرت بنا، وما على القلم إلا أن يستجيب لنداء ورغبة عقل غلب عليه صوت أنين القلب...

غريب، كيف للبعض أن يبني مقبرة داخل صدره ويدفن فيها أشياء مازالت على قيد الحياة، مقبرة يزرع ويقتل فيها ما يشاء..
اليوم ليس كباقي الأيام اليوم يعلو في أذهاننا صوت الحياة الماضية التي أصبحت مجرد صفحة من الذاكرة ممزوجة بصوت مرتجف يظهر على حين غفلة، أتعثر في خفايا أحضان الشوق والحنين وفي الجانب الآخر يتربع على العرش صوت الكبرياء الذي لا يسمح لي بالسقوط، وكيف له أن يتركني أسقط؟ وقد أنشد على مسمعي مرارا وتكرارا كل الجدران التي ستسقطين عليها، انكسرت قبل أن تحريكها أناملك ولم يبقى من آثارها سوى غصات أليمة مدفونة بتلك المقبرة التي لا صوت لها.

ياقلمي وعدتك ألا أرتجف وأنا أكتب، عاهدتك أن أظل شامخة كالجبال صامتة في صدى الأرض والسماء، ووعدتني أنت أن تكتب كل الذكريات ومن يدري لعلك تشفيني من صوت هذه الذاكرة وتحييني من جديد...
فتعال ياقلمي وأكتب بلهيب حبرك وحطم كل القيود.. لا تسأل ولا تجادل فقط أكتب... أكتب...

لنعد قليلا إلى الوراء.. أقصد إلى زمن الطفولة والبراءة إلى العهد الذهبي الذي يهتز بكل الأحلام والآمال والطموح ومن منا لا يحن إلى تلك الأيام؟؟ أيها القلم الذي تحارب الآن في معركة الكتابة، ماذا لو بقينا في ذلك المنزل؟ ماذا لو كنت أكتب هناك وليس هنا؟
ربما لكنت اليوم غير خائفة من التوجه إليك، لكنت غير خائفة من تأمل جدرانك التي تحمل عتابا طويلا، عتاب قادر على قتلي رغم أني لم أحيا في مكان غير مكانك..

أعلم أن صوت ضحكاتي العالية لم تجف بعد.. وكيف لها أن تجف ومنزلي كان وطنا يسكنه أناس راقون، حتى تلك الأرجوحة التي كنت أتأرجح بها أعلم أنها لازالت معلقة على غصن شجرة الربيع، صدقني هي الأقدار التي شاءت وكتبت علينا الفراق هو القدر وحده الذي خطط لكل فرد من تلك العائلة.. طريق لا يشبه طريق أحد، في هذه الساعة التي أكتب فيها يمكنني أن أخبرك أني أحن إليك و أحن إلى غرفتي في الدور الأعلى من المنزل أحن إلى غرفتي التي تطل على الأزهار البرية.. أحن إلى تلك الرائحة الممزوجة بين رائحة أشجار مسك الليل و أشجار البرتقال.. أتصدق أني أحن إلى طفولتي حتى وإن كنت لا أتذكر منها إلا القليل، أحن إلى قراءة الكتب على ضوء المصابيح التي تشبه ضوء الشموع في الهدوء...

لكنك تدري أني لم أحن أبدا إلى تلك الأصوات المتعالية التي كانت توقظني مفزوعة في جوف الليالي، أصوات كانت تخترق جدران غرفتي دون رضاي حتى وإن وضعت ودفنت آخر جزء من جسدي تحت الغطاء كي لا أسمع تلك الأصوات الغير مفهومة، فمنذ تلك اللحظة فارقني الإحساس بالأمان إلى الأبد.. فلا تعتبني.. لا شأن لي ولست أنا من اخترت الرحيل.

كل ما لديا الآن لا قيمة له أمام لحظة من لحظات تلك الأيام..
كلما رأيت وردة أو طفلة صغيرة وجدت نفسي واقفة وغارقة في أفكاري وكأنني أفتش عن شيء ضاع طريقه مني.. ربما يكون ذلك الشيء نفسي التي تركتها هناك...
برب السماء ألن تتوقف هذه الأصوات عن إزعاجي وتكسير أنفاسي الباردة؟؟
صوت الشتاء، صوت الرياح، صوت أفكاري الكثيرة، صوت أنين قلبي، وكأني أشتهي عناقا طويلا داخل تلك الجدران لكن.. إنه مجرد صوت سيرحل مع رحيل الشتاء، أما صوت الحنين لك لا أعرف له دواء ولا علاج..

سقوط القلم من يدي يذكرني بالوعد الذي قطعته له، أخاف ان أكذب عليه.. إني أرتجف الآن ولا أدري هل أرتجف من شدة البرد أم من شدة الحزن، لا يهم..

رغم كل اليأس لازلت أعرفك وتعرفني حتى ولو خانت الدنيا وخان الناس وخان القدر أنا لن أخون ولن أعرف للخيانة طريق، وكيف لي أن أخون التربة التي ولدت بها، أعلم اليوم أنك تسمعني بلا صوت ولا حرف حتى وإن كنت تائهة بين الدروب والمدن، أعلم أنك وحدك من تعلم لي الطريق..

فلا بأس.. صوت الذاكرة اليوم لا يتركني بسلام ورعاية لتلك الذكريات أجد نفسي أكتب وأكتب ولا أنتهي إلا بانتهاء حبر القلم وانتهاء الورق.. 
مضى الوقت دون أن أنتبه، مضى نصف من الليل لا راحة أجدها ولا أعرف للنوم سبيلا، كل شيء يسخر مني حتى ضوء النجوم تحمل لي عتاب، أوهام كاذبة لم أرى نسيم الصباح ولا ضوء الشمس حتى تلك الطيور التي كانت تغني لي سافرت وكأنه مجرد سراب ضاع منا في زحام الظلام..
وياويل الذاكرة اذا تذكرت وحنت تجعلك تغلق عينيك من شدة الألم.
علمت بعد زمن طويل أن النيران لم تترك بك مكان، تحولت ألوان جدرانك من ألوان زاهية إلى لوحات سوداء يغطيها الرماد.. فكفى عتابا..
الكل يعاتب.. الورود تعاتب والأشجار تعاتب والسماء تمطر عتابا.. بل حتى الأرض لو كنت تسطيع الكلام لنطقت عتابا 
اعذرني إن تكررت فيك كل الأشياء إلا أنا فلم تعد ملكا لي وليس لدي حق عليك.. أصبحت في ملك أناس آخرين لا يعرفون عن حكاية جدرانك شيء فهنيئا لهم بك.
فلا خير في منزل يسكنه البعض بغير قلب ولا خير في قلب يحمله البعض بلا حب..

بقلم: سميرة بسراف


للراغبين في نشر مساهماتهم على مدونة عذب الكلام يمكنكم الاطلاع على الموضوع أسفله لمعرفة شروط وطرق التواصل نع فريق العمل.


وإلى لقاء آخر مع مساهمة جديدة من مساهمات مبدعي عذب الكلام. 
مع تحيات فريق العمل.

جديد قسم : إبداعات

إرسال تعليق